28‏/11‏/2012

الثورة اتسرقت ...



"الثورة اتسرقت" .. كلمة قيلت من بداية الصدام مع المجلس العسكرى مرورا بأغلبية برلمانية محسوبة على التيارات الدينية حتى تولى مرسى المسئولية مما صب فى صالح الإخوان المسلمين . سأسلم بهذه الحقيقة ولن أجادل باعتبار أن الإخوان لم يرغبوا فى المشاركة بداية وكان نزولهم متأخرا بعد جمعة الغضب. لكن هذا التسليم لا يجب أن يعمينا عن مجموعة من الحقائق أولها أن خطأ الثورة الأول والرئيسى – رغم عبقرية البداية - هو عدم طرح بديل فى الميدان ليعادل هتاف "مش هانمشى هو يمشى" حتى بعد التنحى وكانت النتيجة أن الذوبان فى الميدان لم ينسحب على باقى الوطن لأن كل طرف إنحاز تلقائيا للخلفية القادم منها وأراد أن يصبغ الوطن بصبغته هو وسبب آخر أشار إليه عبد الرحمن يوسف وهو أن الشباب تناسوا خلافاتهم فى الميدان ورفضوا ان يسلموا ثورتهم للجيل السابق تحت أى مسمى لكن هذا الجيل تسرب وتوغل وانتقلت خلافاتهم - التى أورثتنا ذلا وتفرقة أيام المخلوع وسمحت له بالسيطرة على طريقة فرق تسد - إلى أتباعهم ليزداد التشرذم والإستقطاب.
بعد التنحى انصرف الإخوان المسلمون لممارسة السياسة فيما ظلت التيارات الأخرى تمارس الفعل الثورى بالمظاهرات والمليونيات وفقط دون الإنخراط فى حزب أو تيار والإستعداد للخوض فى معترك السياسة لتحقيق آمالهم . للأسف تنظيم الإخوان لم يقابله تنظيم آخر الفعل المنظم الوحيد كان حملة كاذبون لفضح ممارسات المجلس العسكرى وسلاسل الثورة لتعريف الناس بها ولكن هذا الفعل لم يستمر طويلا لأسباب متعددة أهمها قلة الخبرة بالعمل المنظم والتحرك فى مجموعات كل منها مسئول عن خطوات معينة وظل الحال دون بديل حقيقى مقنع مع صعود للوجوه القديمة من الخبراء والسياسيين اعلاميا وسحب البساط من أصحاب الثورة الحقيقيين ولم يجد أصحابها بديلا سوى الدخول تحت ظلهم بدلا من فرض كيان خاص بهم يعبر عنهم ويفرض وجود على الساحة السياسية ولطالما بح صوتى أنا وغيرى على مواقع التواصل الإجتماعى بدعوة الثوار للعمل فى الشارع بين الناس ويكفى عمل استطلاع رأى للعاملين والعاملات فى محلات ومقاهى وسط البلد لتعرفوا أن الثورة منذ بدايتها حتى تاريخه لا يكفون عن السب ولوم الثوار بسبب تعطل أعمالهم مع كل مظاهرة أو مليونية ولكن ذهبت أصواتنا أدراج الرياح لأنهم للأسف – وأعنى النشطاء –  كان ردهم للأسف التجاهل فهم لا يسمعون إلا بعضهم البعض أو الرفض والإستهزاء حالة النقاش والبلوك فى النهاية هو الرد على من يخالف لأنه فى نظرهم لا يفهم ولا يعى مثلهم.
كل المؤشرات كانت تصب فى صالح الفصيل المنظم إذن الإندهاش لا محل له من الإعراب وادعاء المفاجأة فاسد من بدايته.
بعدها لم تجد باقى التيارات سوى الوسائل الإعلامية بكافة أنواعها للهجوم على الإخوان وعرض تاريخهم وفضحهم. كل هذا ذهب هباء لأن رصيد الإخوان فى الشارع تأثر بأداء نوابه فى البرلمان ثم أداء الحكومة على الأرض وليس بسبب تلك الحملات الإعلامية فالمحصلة النهائية لو أردنا صدقا الشارع والناس هم الحكم لا غير لا يهم الشعب تاريخ الإخوان أو صراع التيارات معها لكن ما يهمها هو ما يؤثر على حياتهم اليومية وللأسف لم تع تلك التيارات هذه الحقيقة.
بعد اقترابنا من عامين على الثورة لم تمتلك تلك التيارات القدرة على الحشد فى كل ما واجته الثورة إلا بقناعة الشارع البديهية بالخروج والإعتراض. حتى فى أكثر لحظات الثورة قوة فى محمد محمود 2011 لم تستغل اللحظة الفارقة لفرض مجلس رئاسى مدنى وحكومة إنقاذ وطنى وظهرت الخلافات بين الجميع ( يرجى الرجوع إلى مقالات نوارة نجم فى جريدة التحرير عن تلك الفترة التى اشتكت فيها مر الشكوى من رفض أغلب مرشحى الرئاسة التعاون معا) . لحظة فارقة أخرى فور صدور الحكم على المخلوع ووزير داخليته بالسجن المؤبد مع تبرئة مساعديه وكان الحشد مهول وغير مسبوق وعفوى ولكن كالعادة لم تستغل اللحظة للضغط فى تشكيل لجنة قضائية مستقلة تعيد التحقيق فى القضايا الخاصة بقتل المتظاهرين وكانت الفرقة مرة أخرى لأن الشباب استمروا فى الرهان على العجائز ونسوا أنفسهم وقوتهم طوال ثمانية عشر يوما .
مرة أخرى تجلت فيها الكوميديا السوداء حين اختلف أربعة من مرشحى الثورة رغم إنتمائهم إلى نفس الأيدلوجيا الفكرية (صباحى – خالد على – الحريرى – البسطاويسى) فى الإتفاق على مرشح رئاسى واحد من بينهم لكنهم صدقا اتفقوا على رفض الإخوان ليقع الشعب بين مطرقة مستقبل غير واضح ورموز كانت تتحدث عن الديمقراطية لكنها بدت متنازعة متصارعة تملأ الدنيا ضجيجا ليصب فى صالح حزب وطنى يسعى جاهدا لاستعادة مواقعه لتنحصر المنافسة بينه وبين الإخوان المسلمين مجددا لتتم سرقة الثورة بحق وبمساعدة الثوار أنفسهم الذين تجلت المأساة مغلفة بمرارة أن يحتل الفلول والوطنى القديم معهم ميدان التحرير الذى كان محرما عليهم مسبقا . والله ما قصرتم.

20‏/11‏/2012

الإسلام هو الحل (2)



قال تعالى " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ"  القوة هنا وبسبب ضيق الأفق وعدم الفهم السليم فسرت على أنها القوة العسكرية فقط . لا يا سادة القوة هنا قوة فى كل مناحى الحياة بدلا من كوننا عالة على العالم المتقدم وكل التكنولوجيا التى نتعامل معها هى نتاج عقولهم . ولأنه سبحانه وتعالى يعلم حالنا فلم يطالبنا بالمستحيل بل ما استطعنا من قوة ونخلص النية ليأتينا نصره . لكننا للأسف جعلنا الدين مظهر شكلى فقط . الصحابة الأوائل حين نزلت آية الوضوء "واغسلوا وجوهكم ... "  غسلوا وجوههم وكفى أما فى زمن الترف والسفسطفة فظهر من يطالب بتعريف الوجه ومساحته ومن أين يبدأ وأين ينتهى وهكذا فى كل الأمور وانتقلت إلينا صفة الجدال الأحمق والمبالغة فى الإستفسار عن تفاصيل التفاصيل كفعل اليهود كما أخبرنا القرآن الكريم .
حينما فهم (بضم الفاء) الإسلام على حقيقته وفهمت الآية على مرادها وفهمها كذلك كل قائم على أمر المسلمين كفلوا حاجات العلماء والفقهاء ليتفرغوا لعلمهم ودراستهم .فعمر بن الخطاب أول مطبق لروح الإسلام ومقاصد النصوص فيه بعد مرحلة التعليم والثبات على يد الرسول (ص) وابى بكر رضى الله عنه وأول من وضع أسس الدولة وأنشأ الدواوين وكيف فهم الحدود وكيف أوقفها حين لزم الأمر وكيف حقق بعدله على نفسه وعلى الرعية القوة اللازمة لينام مطمئنا تحت شجرة .
توالى على الأمة الإسلامية خلفاء أعلوا من قيمة العلم والعلماء حينما وعوا دورهم ولم ينشغلوا بالملذات وإغراءات القوة . فى عهد الخلافة الأموية ولأنها كانت التالية لعهد الخلفاء الراشدين فقد أخذت العلوم الإسلامية الأصلية مثل: التفسير والحديث والفقه واللغة العربية وآدابها، أخذت هذه العلوم الإسلامية تتبلور وتصبح لها مدارس وأساتذة في كل المدن والأمصار الإسلامية، وكان الأساتذة الذين أخذوا يعلمون هذه العلوم هم من الصحابة والتابعين.
هذه مجرد إشارات تنبه الأذهان إلى أن العصر الأموي كان عصر فتوحات عظيمة وإدارة وسياسة وعمران , وكان أيضا العصر الذي شهد بداية نمو الحركة العلمية الإسلامية التي كان قوامها القرآن وتفسيره، والحديث وشرحه والفقه وأصوله، والتاريخ والسير والغزوات واللغة العربية وآدابها.. الخ.
حتى فى البلاد التى تم فتحها ومع اطلاعهم على علوم مختلفة فى الطب والفلسفة والرياضيات والهندسة وغيرها كان التعامل العبقرى ليس بمنعها أو بالإنهاء عليها لأنه لم تكن على عهد الرسول (ص) فهى بدعة يجب القضاء عليها بل أبقوا هذه المدارس على ما كانت عليه وتركوا الأساتذة يعلمون والطلاب يتعلمون في جو من الحرية لم يسبق له مثيل، بل لم يتدخلوا مطلقا في شؤون هذه المدارس وتركوا كل شيء للقائمين عليها، فرأى العلماء والطلاب هذه الحرية وهذا التسامح مع العلم والعلماء الذي أبداه المسلمون نحوهم والذي هو في الواقع من وحي الدين الإسلامي نفسه الذي يحترم العلم والعلماء ويكرمهم، بل يحث الناس على العلم والتعليم ويعتبر التفكير فريضة من فرائضه .
فى الخلافة العباسية التى تلت كل هذا انتقلت من مرحلة النقل والترجمة إلى مرحلة الإبداع والإبتكار والإضافة لتصبح بغداد قبلة لكل طالبى العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع لتبرز أسماء مثل ابن الهيثم وجابر بن حيان والخوارزمى وتستحق الحضارة الأندلسية أن نلقى الضوء على علمائها وأبرزهم ابن رشد وأما في التاريخ والجغرافيا فقد برع كثير من العلماء ومنهم: ابن الفرضي، ومحمد بن الحارث الخشني، وأما في العلوم العملية فقد كان من أوائل من اشتغل بالرياضيات والكيمياء في الأندلس أبو القاسم المجريطي، كما برع عباس بن فرناس في علم الهندسة، وهو أيضًا صاحب أول محاولة للطيران، ونبغ في علم الفلك أبو عبيدة القرطبي، ولا ننسى أن نشير إلى أشهر أطباء الأندلس أبو القاسم الزهراوي الذي برع في الطب والصيدلة، وبرع فيهما أيضًا الطبيب العلامة ابن البيطار الذي اشتهر بدراسة النبات وساهم في تقدم الزراعة بالأندلس.
هل اقتصر الأمر على علماء المسلمين فقط ؟؟ بل العكس هو الصحيح فقد برع علماء من غير المسلمين حينما طبقت مبدأ المواطنة كما نطلق عليه الآن فإن أهم ما يميز الحضارة الإسلامية على ما سواها أنها ليست نتاج جنس أو شعب معين ، وإنما هي نتاج أجناس وشعوب مختلفة الأعراق واللغات والأديان ، انصهرت جميعا في بوتقة واحدة في ظل الحكم الإسلامي الذي استوعب الجميع تحت مظلته ، دون تفريق أو انحياز لجنس على حساب آخر ، وأتاح للجميع الفرصة للتفكير والإبداع والاختراع والإنتاج والتعبير عن أفكارهم في حرية كاملة..
وأكثر من ذلك أن خلفاء المسلمين وأمراءهم لم يكونوا ينتظرون حتى يتوافد هؤلاء العلماء على قصورهم المفتوحة لهم ، وإنما شرعوا في دعوتهم من سائر الأقطار التي دخلت في حمى الدولة الإسلامية ، مثل : العراق والشام وفارس ومصر والهند وإفريقيا والأندلس ، فيحضرون إليهم مكرمين ، هذا في الوقت الذي كان أندادهم من العلماء في أوربا يُحقرون ويضطهدون ، وتطاردهم محاكم التفتيش في كل مكان ؛ فَتُوقع بكل مبتكر منهم سوء العذاب ، دون أن يجدوا من ينصفهم أو يدافع عنهم .
وقد شجع هذا التحفيز و التكريم والتقدير العلماء من غير المسلمين على اختلاف مللهم  فقد عين هارون الرشيد يوحنا بن ماسويه الذي كان نصرانياً سريانياً مشرفا على ترجمة الكتب الطبية وجاء بعده تلميذه حنين بن إسحاق النصراني الذي كان يلقب بشيخ الأطباء بالعراق هذا ولم يكن يوحنا وحنين هما فقط من وصلا إلى تلك المكانة من غير المسلمين وإنما شاركهما كثيرون ثابت بن قرة الحراني الذي كان نابغة في مجال الترجمة والطب والفلك والرياضيات والهندسة ، وكان له ببغداد عدة مراصد يطبق عليها نظرياته الفلكية. وقد أثرى المكتبة العربية بكثير من الكتب الفلكية والرياضية والهندسية والطبية. ومن العجب أن هذا الرجل كان يعمل عند دخوله بغداد صيرافيا فلمح فيه موسى بن شاكر أمارات النبوغ والذكاء ، فاصطحبه إلى دار الخلافة لتتاح له فرصة المساهمة في إثراء الحضارة الإسلامية بابتكاراته ، ولولا ذلك لمات نكرة كما يموت الكثيرون ممن لم تتح لهم مثل تلك الفرصة . الفرصة !!!!  كم هى موجعة فى مقابل هجرة العقول من بلادنا الطاردة لهم للبلاد التى تقدم لهم كل الإمكانيات ليثروا بلاد الغير ونتأخر نحن لحساب أمور ما أنزل الله بها من سلطان وقشور جعلتنا سخرية وقدمت الإسلام فى أسوأ صوره للغرب الذى لم يجد منا شيئا ذا قيمة لكننا أكبر سوق لمنتجاته ومع ذلك لا يسلم من سخرياتنا منه وتكفيرنا إياه .
هذا هو الإسلام الذى أريد وكفى .

11‏/11‏/2012

Over Dose :


مما لاشك فيه أن الثورة المصرية صرفت أذهان الناس عن الرياضة والفن . ولأن كل القنوات فى منافسة شديدة وترغب أن تكون الأعلى مشاهدة ولأن منطق التجارة هو السائد فقد تحولت كل القنوات إلى توك شو مفتوح طوال 24 ساعة .  كل البرامج حتى المتخصص منها فى المرأة أو الرياضة طغت عليها أوضاع مصر السياسية  والنتيجة فشل يضاف إلى فشل .
المفترض فى هذه البرامج أن تركز على ما تبث من أجله . ألا يكفينا أنها فى الأصل غائبة – حتى فى تخصصها -  عن أغلبية الشعب المصرى وموجهه لشريحة وحيدة فقط حتى تتحفنا بالتحرش بالسياسة بغير علم لمجرد أن مقدموها لديهم بوقا ؟؟
برامج المرأة غاب عنها الزوجة والأم المصرية التى بالكاد تدبر مصاريف بيتها محاطة ببرامج عن أحدث تسريحات الشعر والملابس وكريمات البشرة وصنع أطباق بواقى اللحوم والدجاج لكنها مثل غيرها تقحم السياسة.
حتى برامج الرياضة بعد تخليها عن الرياضة لحساب كرة القدم فقط والحديث بالساعات تحليلا وتسخينا وتوليعا فى ماتش كورة تخلت عن كرة القدم واقتحمت المعترك السياسى وبقوة وتناست مشاكل الرياضة والعقود والإحتراف والقوانين المنظمة لها أو وكساتنا الكروية العالمية أو فضائح لجاننا الأوليمبية والمزايدات والتوليع انتهى من كرة القدم إلى السياسة وأطيافها وأيدلوجياتها ومسموح بالتعدى والإساءة والتنابذ بالألقاب والسب والقذف (عادى) وكما يقول المثل المصرى "هبلة مسكوها طبلة" المهم أن النتيجة المرجوة هى زيادة الحصيلة الإعلانية والسبوبة . ابتذلت كلمات تبدو كألفاظ مجردة قمة فى الحق والخير والجمال كالشفافية والوطنية والتوافق وغيره وغيره – على الأقل فى نظرى – حين تقال على ألسنة تسعون بالمائة من الإعلاميين والضيوف كذلك وكله باسم مصر التى يبتذلها الجميع.
برامج الطفل مغيبة مضمونا عن طفل له حساب الآن على فيسبوك ويتعامل مع أحدث أجهزة المحمول (أبناء إخوتى مثال) تبث له قصص عقيمة وتصيبه بالتخلف العقلى والهبل لكنها صدقا لا تتحدث فى السياسة مثل غيرها .
الجرعة بلا شك زائدة والتشابه فى الطرح والشكل وتكرار الضيوف . النتيجة إذا لا بد أن تكون معكوسة لأن تلك البرامج تدور فى حلقة مفرغة لا تضع حلا لمشكلة ولا تغلق ملفا ولا يعنيها سوى الإهتمام بالمثير من الأخبار ومثيرى القلق والخوف .
كمثال برنامج طونى خليفة على قناة القاهرة والناس والفقرات التى يقدمها والضيوف الواقعون فى مصيدة قضايا تبدو ساخنة لكنها لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا تؤمن من خوف ولا تدفع مجتمعا للأمام ولا تحدث فرقا فى حياة مواطن بسيط لا يشغله سوى لقمة العيش بل تزيد الموقف استقطابا واشتعالا وانقساماوآخرها حلقة – خناقة إن شئت الدقة – الحجاب وفرضيته.
للأسف لا أجد من معدى البرامج قضية ما تحسم دائما الوقت يداهمهم ودائما هناك فاصل إعلانى والمشاهد العادى لا يخرج بشئ ذو قيمة أو يصل فى النهاية إلى رأى هو الأقرب للصواب . لاشئ يحدث من هذا للأسف ونظل ندور فى تلك الحلقة المفرغة والعودة للنقطة صفر ليعاد طرح القضايا من جديد  ونعيد اختراع العجلة مرات ومرات .
فى النهاية لو كل فرد إعلامى طبيب مهندس أيا من كان انشغل بتخصصه بشكل علمى مدروس وصحيح وارتبط بنبض الشارع وفكر فى المستقبل وبحث عن الحلول والإقتراحات لما أصبحنا هكذا .

04‏/11‏/2012

فى المترو (2) .....


فى المترو كل الألوان مسموح بها حتى لو لم تكن لائقة تجدها معروضة على أجساد الركاب . هل شاهدتم أحدث موضات طلاء الأظافر كمثال ؟؟ كل إصبع بلون هذا غير ألوان الطلاء الغريبة والفسفورية والتى تصدرها للأسف برامج المرأة عن طريق خبراء التجميل (أعتقد خبراء التشويه هو التعبير الأدق) . فى محلات بيع الملابس أصبح إيجاد بلوزة شيك بسيطة درب من الخيال وإن وجدت فالسعر خيالى . السائد على الأقل فى محلات وسط البلد حيث الخط الأول لمترو الانفاق ملابس بكل الالوان وبكل المزركشات وبكم الخرز والترتر حسب ما تسمح به القطعة . على شريط المترو تلاشت أراضى زراعية لحساب كتل أسمنتية تسمى مجازا بيوت وعمارات . على شريط المترو فى حلوان وفى المعادى هدمت فلل وقصور لحساب عمارات لأن الإستفادة المادية أعلى واختفت معالم كانت تميز المنطقتين . نقطة على الهامش عانت المخرجة المتميزة إنعام محمد على من إيجاد معلم للقاهرة القديمة فى فترة الأربعينات لتصور مسلسلها "رجل لهذا الزمان" عن مصطفى مشرفة بسبب ذلك .
فى المترو تجد صخبا . هناك من يعتقد فيك الكفر فحريص على أن يسمعك القرآن الكريم غصبا عنك لا يراعى كونك عائد من عملك ومرهق أو مريض أو تعانى من صداع لا تحاول ان تناقش أو تجادل فقط اصمت لأن الحجة جاهزة أنه إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا . لا تحاول أن توضح أن ما يفعله ليس له علاقة بالآية الكريمة لأن الإستماع له شروطه ووقته ليؤتى ثمره وأن الهدف ليس الإستماع بل التدبر لأنه بلا جدوى . هنا لا نتحدث أساسا أن فى المترو مواطنين آخرين ليسوا مسلمين ولا يجب أن نفرض عليهم ديننا.
على الطرف الآخر هناك من يسمعك أغانى (معلش مشوها أغانى) مصنوعة فى غفلة من الزمن بها كل الكلمات والتركيبات والغزل الصريح وغير العفيف حتى "الردح" مسموح به . عبده موتة ليس مجرد فيلم لكن تلك الشريحة موجودة شئت أم أبيت والأغانى المتداولة فى الفيلم غيض من فيض مما أسمعه فى المترو أو الميكروباص يجعلنى أتمنى أن يديروا أغانى لعمرو دياب – رغم عدم حبى له أو قناعتى به – رحمة بأذنى .
فى المترو بعد أن كان الصغار يقفون ليجلسوا الكبار الآن تقف الأم لتجلس ابنها أو تحمل له حقيبته المدرسية لا تتعجب إن اشتكين بعد ذلك من عقوق وجحود الأبناء فالتربية معكوسة.
الخلاصة لدينا أزمة فى تذوق الجمال والإحساس به. ليس لدينا حدائق وإن وجدت فهى العشب والشجر فقط بلا زهور أو ورود وغالبا مغلقة حتى لا يشوهها زائروها (نفسى أعرف الجنينة المليانة ورد اللى غنت فيها سعاد حسنى الدنيا ربيع مكانها فين) . لدينا أزمة فى التذوق الفنى بكل صوره . المعارض الفنية واللوحات لا يرتادها إلا المتخصصون . رواد الفاعليات الثقافية والغنائية قلة اكتفت بالمشاركة والإعجاب لكنها ليست موجة تزيح الغث والرث من طريقنا . الإعلام فى ثبات عميق لا يوجد سوى برنامجين أو ثلاثة حريصون على استضافة المطربين بحق والفرق المتميزة داخل برامجهم فى مواجهة طوفان قنوات فيديو كليب وأفلام ما أنزل الله بها من سلطان .
الآثار والحضارة فى العالم القديم تمركزت فى الصين والهند والعديد من البلدان العربية ومصر على قمتها بجانبت إيطاليا واليونان لكن الغرب المفتقر للتاريخ العريق استعاض بالمعمار القديم وبيوت المفكرين والموسيقيين والتشكيلين وحافظ عليها وجعلها مزارات تدرج على الكتيبات السياحية لتعويض هذا الفقر بل والحفاظ على المعمار القديم أيا كان ساكنوه . أما نحن فبارعون فى تشويه ما تعب فيه السابقون بل وهدمه ولا قانون يحمى أو قانون يردع لإيقاف تلك الجريمة . مصر مليئة بمكعبات وليس بمعمار . شاهدت صورا كثيرة تملأ المواقع الألكترونية قادمة من قبرص واليونان لديهم ضيق فى الشوارع كما لدينا لكنهم يعرفون كيف يجملون تلك الأماكن بلون أبيض زاهى متلائم مع لون البحر أما نحن فالأصفر والبنفسجى والمشمشى ولا عزاء للتناسق. مصر مليئة بملصقات على كل الحوائط مليئة بروائح كريهة وقمامة فى كل ركن وزاوية وكوبرى. حجم التشوه كبير والقضاء عليه فى المكان وفى العقول وفى النفوس ملف مهمل للأسف من قبل الجميع . نحتاج أن نعيد قيمة تذوق الجمال وحب الألوان والتناسق والتناغم مع الجميع فهل نستطيع؟؟؟؟؟