20‏/11‏/2012

الإسلام هو الحل (2)



قال تعالى " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ"  القوة هنا وبسبب ضيق الأفق وعدم الفهم السليم فسرت على أنها القوة العسكرية فقط . لا يا سادة القوة هنا قوة فى كل مناحى الحياة بدلا من كوننا عالة على العالم المتقدم وكل التكنولوجيا التى نتعامل معها هى نتاج عقولهم . ولأنه سبحانه وتعالى يعلم حالنا فلم يطالبنا بالمستحيل بل ما استطعنا من قوة ونخلص النية ليأتينا نصره . لكننا للأسف جعلنا الدين مظهر شكلى فقط . الصحابة الأوائل حين نزلت آية الوضوء "واغسلوا وجوهكم ... "  غسلوا وجوههم وكفى أما فى زمن الترف والسفسطفة فظهر من يطالب بتعريف الوجه ومساحته ومن أين يبدأ وأين ينتهى وهكذا فى كل الأمور وانتقلت إلينا صفة الجدال الأحمق والمبالغة فى الإستفسار عن تفاصيل التفاصيل كفعل اليهود كما أخبرنا القرآن الكريم .
حينما فهم (بضم الفاء) الإسلام على حقيقته وفهمت الآية على مرادها وفهمها كذلك كل قائم على أمر المسلمين كفلوا حاجات العلماء والفقهاء ليتفرغوا لعلمهم ودراستهم .فعمر بن الخطاب أول مطبق لروح الإسلام ومقاصد النصوص فيه بعد مرحلة التعليم والثبات على يد الرسول (ص) وابى بكر رضى الله عنه وأول من وضع أسس الدولة وأنشأ الدواوين وكيف فهم الحدود وكيف أوقفها حين لزم الأمر وكيف حقق بعدله على نفسه وعلى الرعية القوة اللازمة لينام مطمئنا تحت شجرة .
توالى على الأمة الإسلامية خلفاء أعلوا من قيمة العلم والعلماء حينما وعوا دورهم ولم ينشغلوا بالملذات وإغراءات القوة . فى عهد الخلافة الأموية ولأنها كانت التالية لعهد الخلفاء الراشدين فقد أخذت العلوم الإسلامية الأصلية مثل: التفسير والحديث والفقه واللغة العربية وآدابها، أخذت هذه العلوم الإسلامية تتبلور وتصبح لها مدارس وأساتذة في كل المدن والأمصار الإسلامية، وكان الأساتذة الذين أخذوا يعلمون هذه العلوم هم من الصحابة والتابعين.
هذه مجرد إشارات تنبه الأذهان إلى أن العصر الأموي كان عصر فتوحات عظيمة وإدارة وسياسة وعمران , وكان أيضا العصر الذي شهد بداية نمو الحركة العلمية الإسلامية التي كان قوامها القرآن وتفسيره، والحديث وشرحه والفقه وأصوله، والتاريخ والسير والغزوات واللغة العربية وآدابها.. الخ.
حتى فى البلاد التى تم فتحها ومع اطلاعهم على علوم مختلفة فى الطب والفلسفة والرياضيات والهندسة وغيرها كان التعامل العبقرى ليس بمنعها أو بالإنهاء عليها لأنه لم تكن على عهد الرسول (ص) فهى بدعة يجب القضاء عليها بل أبقوا هذه المدارس على ما كانت عليه وتركوا الأساتذة يعلمون والطلاب يتعلمون في جو من الحرية لم يسبق له مثيل، بل لم يتدخلوا مطلقا في شؤون هذه المدارس وتركوا كل شيء للقائمين عليها، فرأى العلماء والطلاب هذه الحرية وهذا التسامح مع العلم والعلماء الذي أبداه المسلمون نحوهم والذي هو في الواقع من وحي الدين الإسلامي نفسه الذي يحترم العلم والعلماء ويكرمهم، بل يحث الناس على العلم والتعليم ويعتبر التفكير فريضة من فرائضه .
فى الخلافة العباسية التى تلت كل هذا انتقلت من مرحلة النقل والترجمة إلى مرحلة الإبداع والإبتكار والإضافة لتصبح بغداد قبلة لكل طالبى العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع لتبرز أسماء مثل ابن الهيثم وجابر بن حيان والخوارزمى وتستحق الحضارة الأندلسية أن نلقى الضوء على علمائها وأبرزهم ابن رشد وأما في التاريخ والجغرافيا فقد برع كثير من العلماء ومنهم: ابن الفرضي، ومحمد بن الحارث الخشني، وأما في العلوم العملية فقد كان من أوائل من اشتغل بالرياضيات والكيمياء في الأندلس أبو القاسم المجريطي، كما برع عباس بن فرناس في علم الهندسة، وهو أيضًا صاحب أول محاولة للطيران، ونبغ في علم الفلك أبو عبيدة القرطبي، ولا ننسى أن نشير إلى أشهر أطباء الأندلس أبو القاسم الزهراوي الذي برع في الطب والصيدلة، وبرع فيهما أيضًا الطبيب العلامة ابن البيطار الذي اشتهر بدراسة النبات وساهم في تقدم الزراعة بالأندلس.
هل اقتصر الأمر على علماء المسلمين فقط ؟؟ بل العكس هو الصحيح فقد برع علماء من غير المسلمين حينما طبقت مبدأ المواطنة كما نطلق عليه الآن فإن أهم ما يميز الحضارة الإسلامية على ما سواها أنها ليست نتاج جنس أو شعب معين ، وإنما هي نتاج أجناس وشعوب مختلفة الأعراق واللغات والأديان ، انصهرت جميعا في بوتقة واحدة في ظل الحكم الإسلامي الذي استوعب الجميع تحت مظلته ، دون تفريق أو انحياز لجنس على حساب آخر ، وأتاح للجميع الفرصة للتفكير والإبداع والاختراع والإنتاج والتعبير عن أفكارهم في حرية كاملة..
وأكثر من ذلك أن خلفاء المسلمين وأمراءهم لم يكونوا ينتظرون حتى يتوافد هؤلاء العلماء على قصورهم المفتوحة لهم ، وإنما شرعوا في دعوتهم من سائر الأقطار التي دخلت في حمى الدولة الإسلامية ، مثل : العراق والشام وفارس ومصر والهند وإفريقيا والأندلس ، فيحضرون إليهم مكرمين ، هذا في الوقت الذي كان أندادهم من العلماء في أوربا يُحقرون ويضطهدون ، وتطاردهم محاكم التفتيش في كل مكان ؛ فَتُوقع بكل مبتكر منهم سوء العذاب ، دون أن يجدوا من ينصفهم أو يدافع عنهم .
وقد شجع هذا التحفيز و التكريم والتقدير العلماء من غير المسلمين على اختلاف مللهم  فقد عين هارون الرشيد يوحنا بن ماسويه الذي كان نصرانياً سريانياً مشرفا على ترجمة الكتب الطبية وجاء بعده تلميذه حنين بن إسحاق النصراني الذي كان يلقب بشيخ الأطباء بالعراق هذا ولم يكن يوحنا وحنين هما فقط من وصلا إلى تلك المكانة من غير المسلمين وإنما شاركهما كثيرون ثابت بن قرة الحراني الذي كان نابغة في مجال الترجمة والطب والفلك والرياضيات والهندسة ، وكان له ببغداد عدة مراصد يطبق عليها نظرياته الفلكية. وقد أثرى المكتبة العربية بكثير من الكتب الفلكية والرياضية والهندسية والطبية. ومن العجب أن هذا الرجل كان يعمل عند دخوله بغداد صيرافيا فلمح فيه موسى بن شاكر أمارات النبوغ والذكاء ، فاصطحبه إلى دار الخلافة لتتاح له فرصة المساهمة في إثراء الحضارة الإسلامية بابتكاراته ، ولولا ذلك لمات نكرة كما يموت الكثيرون ممن لم تتح لهم مثل تلك الفرصة . الفرصة !!!!  كم هى موجعة فى مقابل هجرة العقول من بلادنا الطاردة لهم للبلاد التى تقدم لهم كل الإمكانيات ليثروا بلاد الغير ونتأخر نحن لحساب أمور ما أنزل الله بها من سلطان وقشور جعلتنا سخرية وقدمت الإسلام فى أسوأ صوره للغرب الذى لم يجد منا شيئا ذا قيمة لكننا أكبر سوق لمنتجاته ومع ذلك لا يسلم من سخرياتنا منه وتكفيرنا إياه .
هذا هو الإسلام الذى أريد وكفى .

ليست هناك تعليقات: