31‏/08‏/2012

"عمر" رأيت الرسالة ولم أجد عمرا :

أولا أنا لست مع فتوى الأزهر الشريف - رغم أنى لا أعترف بجهة فتوى غيره - فى تحريم تجسيد الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة ولكنى فى نفس الوقت لا أتخيل ممثلا أيا كانت براعته أن يجسد شخصية الرسول الكريم (ص)  هذه خط أحمر بالنسبة لى ولغيرى لا يمكن قبوله. تجسيد الأنبياء والصحابة دراميا بلا شك يعطى ثراءا ومتعة بجانب شعور المشاهد العادى أن هؤلاء الصحابة وعظمتهم التى لا تنكر فهم فى النهاية بشر كذلك ويستطيع أن يكون مثلهم يحذو حذوهم فهم ليسوا ملائكة ولكنهم بشرا تعالوا على عيوب بشريتهم وسيطروا على شرور أنفسهم من أجل نيل رضا الله.
من الممتع أن ترى أبا بكر وعمر وعثمان والعشرة المبشرين بالجنة لحما ودما أمام ناظريك ليتعاظم التأثير .
العمل مبهر بصريا من حيث الديكور الذى نفذ بدقة لمكة المكرمة والكعبة . الملابس والمكياج وأهمها ذقون الممثلين الحقيقية أو الإستعانة بخبراء المكياج الأقوياء (قارن الحال لدينا) .
لا يمكن أن تشاهد العمل دون أن تنبهر بمستوى اللغة العربية الراقية دون سقطة نحوية واحدة حتى ولو كان بها بعض الصعوبة لكنها تتناسب مع الزمن الذى دارت به الأحداث واخجل كمصرى وكرائد لهذا النوع من الدراما كيف انحدر بك الحال لحساب "كيد النسا" و "الزوجة الرابعة" هذا بالإضافة إلى الاختيار الموفق لأبطال العمل بلا جدال.
لكن فى الدراما التى تتناول سيرة أحد الأعلام تتوارى التفاصيل الدقيقة لأى حدث لصالح الشخصية بطلة العمل وإبراز رد فعلها لأنها المؤشر والشارح لها وهذا ما لم يحدث فى هذا العمل حيث أعطى المؤلف مساحات متساوية تقريبا لشخصيات أخرى على حساب الشخصية التى يحمل المسلسل اسمها لدرجة الوصول للحلقة السادسة عشر دون أن يتولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه الخلافة وحين تولاها كان العمل قد وصل إلى الحلقة الرابعة والعشرين.
شاهدنا تفاصيل دقيقة لإسلام بلال بن رباح ، شاهدنا تفاصيل حياة وحشى قاتل حمزة أسد الله قبل وبعد اسلامه ، شاهدنا الغزوات والسجالات التى دارت بين المسلمين وكفار قريش مع أن السرد السليم هنا كان يجب أن يركز على عمر بن الخطاب وتأثير الأحداث فيه وتأثيره فيها فمثلا قضية أسرى بدر والتى كان لرأى عمر فيها بداية لتأييد الوحى له والتى تجلت فى العديد من المواقف بعدها لم تبرز بشكل كافى أيضا الحوار الذى دار بين عمر بن الخطاب و أبى سفيان بن حرب حين ترددت شائعة وفاة الرسول (ص) وصاحبيه أبا بكر وعمر فى غزوة أحد لم تأخذ حقها الكافى والذى كان ينبئى بشدة عمر فى مواجهة أحد رؤوس الكفر وقتها حتى موقفه وعصبيته رفضا لشروط "صلح الحديبة" لم تبرز بشكل كامل رغم أن موقفه وقتها كان يفصح بالكثير والكثير عن شخصية هذا الصحابى الجليل.
اشتهر عمر بالقوة التى اعتبرها الكثيرون غلظة ربما وضح ذلك قبل إسلامه لكنها لم تبرز بالشكل الكافى بعد إسلامه والتى بسببها لزم معظم المسلمين دورهم يوم توليه الخلافة خوفا من طبعه هذا فمن كان شديدا فى حياة الرسول (ص) وفى خلافة أبى بكر الصديق فكيف به الحال بعد وفاة صاحبيه ؟؟
العمل كان يتم التجهيز والإعداد له قبل بدايات الربيع العربى وكانت الأجواء وقت الكتابة لا تبشر بالتحولات التى أصابت المنطقة العربية ولكن مما لاشك فيه أن الشعوب كانت فى شوق شديد للعدل الذى جسده  عمر بن الخطاب فكان التوقع أن يركز العمل على أداء عمر بن الخطاب كخليفة عرف معنى العدل وطبقه على نفسه وعلى آل بيته قبل الرعية . كان التوقع أن تفرد مساحات أكبر لجولاته ليلا ونهارا مع الرعية وكيف كان يتفاعل مع مشاكل الرعية وكيف كان يسوسهم وكيف كانت درته "أهيب فى قلوبهم من سيف الحجاج" كما قيل بعدها . لهذا لا أجد عذرا للمؤلف رغم استمتاعنا بالعمل فهو يعتبر وثيقة تاريخية قوية ومحترمة للدعوة المحمدية وتطورها وما واجهته من صعاب حتى مكن الله لها فى الأرض ولهذا أقول أنى وجدت سيرة ومسيرة الدعوة الإسلامية ولم أجد عمرا !!!!!