28‏/11‏/2012

الثورة اتسرقت ...



"الثورة اتسرقت" .. كلمة قيلت من بداية الصدام مع المجلس العسكرى مرورا بأغلبية برلمانية محسوبة على التيارات الدينية حتى تولى مرسى المسئولية مما صب فى صالح الإخوان المسلمين . سأسلم بهذه الحقيقة ولن أجادل باعتبار أن الإخوان لم يرغبوا فى المشاركة بداية وكان نزولهم متأخرا بعد جمعة الغضب. لكن هذا التسليم لا يجب أن يعمينا عن مجموعة من الحقائق أولها أن خطأ الثورة الأول والرئيسى – رغم عبقرية البداية - هو عدم طرح بديل فى الميدان ليعادل هتاف "مش هانمشى هو يمشى" حتى بعد التنحى وكانت النتيجة أن الذوبان فى الميدان لم ينسحب على باقى الوطن لأن كل طرف إنحاز تلقائيا للخلفية القادم منها وأراد أن يصبغ الوطن بصبغته هو وسبب آخر أشار إليه عبد الرحمن يوسف وهو أن الشباب تناسوا خلافاتهم فى الميدان ورفضوا ان يسلموا ثورتهم للجيل السابق تحت أى مسمى لكن هذا الجيل تسرب وتوغل وانتقلت خلافاتهم - التى أورثتنا ذلا وتفرقة أيام المخلوع وسمحت له بالسيطرة على طريقة فرق تسد - إلى أتباعهم ليزداد التشرذم والإستقطاب.
بعد التنحى انصرف الإخوان المسلمون لممارسة السياسة فيما ظلت التيارات الأخرى تمارس الفعل الثورى بالمظاهرات والمليونيات وفقط دون الإنخراط فى حزب أو تيار والإستعداد للخوض فى معترك السياسة لتحقيق آمالهم . للأسف تنظيم الإخوان لم يقابله تنظيم آخر الفعل المنظم الوحيد كان حملة كاذبون لفضح ممارسات المجلس العسكرى وسلاسل الثورة لتعريف الناس بها ولكن هذا الفعل لم يستمر طويلا لأسباب متعددة أهمها قلة الخبرة بالعمل المنظم والتحرك فى مجموعات كل منها مسئول عن خطوات معينة وظل الحال دون بديل حقيقى مقنع مع صعود للوجوه القديمة من الخبراء والسياسيين اعلاميا وسحب البساط من أصحاب الثورة الحقيقيين ولم يجد أصحابها بديلا سوى الدخول تحت ظلهم بدلا من فرض كيان خاص بهم يعبر عنهم ويفرض وجود على الساحة السياسية ولطالما بح صوتى أنا وغيرى على مواقع التواصل الإجتماعى بدعوة الثوار للعمل فى الشارع بين الناس ويكفى عمل استطلاع رأى للعاملين والعاملات فى محلات ومقاهى وسط البلد لتعرفوا أن الثورة منذ بدايتها حتى تاريخه لا يكفون عن السب ولوم الثوار بسبب تعطل أعمالهم مع كل مظاهرة أو مليونية ولكن ذهبت أصواتنا أدراج الرياح لأنهم للأسف – وأعنى النشطاء –  كان ردهم للأسف التجاهل فهم لا يسمعون إلا بعضهم البعض أو الرفض والإستهزاء حالة النقاش والبلوك فى النهاية هو الرد على من يخالف لأنه فى نظرهم لا يفهم ولا يعى مثلهم.
كل المؤشرات كانت تصب فى صالح الفصيل المنظم إذن الإندهاش لا محل له من الإعراب وادعاء المفاجأة فاسد من بدايته.
بعدها لم تجد باقى التيارات سوى الوسائل الإعلامية بكافة أنواعها للهجوم على الإخوان وعرض تاريخهم وفضحهم. كل هذا ذهب هباء لأن رصيد الإخوان فى الشارع تأثر بأداء نوابه فى البرلمان ثم أداء الحكومة على الأرض وليس بسبب تلك الحملات الإعلامية فالمحصلة النهائية لو أردنا صدقا الشارع والناس هم الحكم لا غير لا يهم الشعب تاريخ الإخوان أو صراع التيارات معها لكن ما يهمها هو ما يؤثر على حياتهم اليومية وللأسف لم تع تلك التيارات هذه الحقيقة.
بعد اقترابنا من عامين على الثورة لم تمتلك تلك التيارات القدرة على الحشد فى كل ما واجته الثورة إلا بقناعة الشارع البديهية بالخروج والإعتراض. حتى فى أكثر لحظات الثورة قوة فى محمد محمود 2011 لم تستغل اللحظة الفارقة لفرض مجلس رئاسى مدنى وحكومة إنقاذ وطنى وظهرت الخلافات بين الجميع ( يرجى الرجوع إلى مقالات نوارة نجم فى جريدة التحرير عن تلك الفترة التى اشتكت فيها مر الشكوى من رفض أغلب مرشحى الرئاسة التعاون معا) . لحظة فارقة أخرى فور صدور الحكم على المخلوع ووزير داخليته بالسجن المؤبد مع تبرئة مساعديه وكان الحشد مهول وغير مسبوق وعفوى ولكن كالعادة لم تستغل اللحظة للضغط فى تشكيل لجنة قضائية مستقلة تعيد التحقيق فى القضايا الخاصة بقتل المتظاهرين وكانت الفرقة مرة أخرى لأن الشباب استمروا فى الرهان على العجائز ونسوا أنفسهم وقوتهم طوال ثمانية عشر يوما .
مرة أخرى تجلت فيها الكوميديا السوداء حين اختلف أربعة من مرشحى الثورة رغم إنتمائهم إلى نفس الأيدلوجيا الفكرية (صباحى – خالد على – الحريرى – البسطاويسى) فى الإتفاق على مرشح رئاسى واحد من بينهم لكنهم صدقا اتفقوا على رفض الإخوان ليقع الشعب بين مطرقة مستقبل غير واضح ورموز كانت تتحدث عن الديمقراطية لكنها بدت متنازعة متصارعة تملأ الدنيا ضجيجا ليصب فى صالح حزب وطنى يسعى جاهدا لاستعادة مواقعه لتنحصر المنافسة بينه وبين الإخوان المسلمين مجددا لتتم سرقة الثورة بحق وبمساعدة الثوار أنفسهم الذين تجلت المأساة مغلفة بمرارة أن يحتل الفلول والوطنى القديم معهم ميدان التحرير الذى كان محرما عليهم مسبقا . والله ما قصرتم.

ليست هناك تعليقات: