04‏/11‏/2012

فى المترو (2) .....


فى المترو كل الألوان مسموح بها حتى لو لم تكن لائقة تجدها معروضة على أجساد الركاب . هل شاهدتم أحدث موضات طلاء الأظافر كمثال ؟؟ كل إصبع بلون هذا غير ألوان الطلاء الغريبة والفسفورية والتى تصدرها للأسف برامج المرأة عن طريق خبراء التجميل (أعتقد خبراء التشويه هو التعبير الأدق) . فى محلات بيع الملابس أصبح إيجاد بلوزة شيك بسيطة درب من الخيال وإن وجدت فالسعر خيالى . السائد على الأقل فى محلات وسط البلد حيث الخط الأول لمترو الانفاق ملابس بكل الالوان وبكل المزركشات وبكم الخرز والترتر حسب ما تسمح به القطعة . على شريط المترو تلاشت أراضى زراعية لحساب كتل أسمنتية تسمى مجازا بيوت وعمارات . على شريط المترو فى حلوان وفى المعادى هدمت فلل وقصور لحساب عمارات لأن الإستفادة المادية أعلى واختفت معالم كانت تميز المنطقتين . نقطة على الهامش عانت المخرجة المتميزة إنعام محمد على من إيجاد معلم للقاهرة القديمة فى فترة الأربعينات لتصور مسلسلها "رجل لهذا الزمان" عن مصطفى مشرفة بسبب ذلك .
فى المترو تجد صخبا . هناك من يعتقد فيك الكفر فحريص على أن يسمعك القرآن الكريم غصبا عنك لا يراعى كونك عائد من عملك ومرهق أو مريض أو تعانى من صداع لا تحاول ان تناقش أو تجادل فقط اصمت لأن الحجة جاهزة أنه إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا . لا تحاول أن توضح أن ما يفعله ليس له علاقة بالآية الكريمة لأن الإستماع له شروطه ووقته ليؤتى ثمره وأن الهدف ليس الإستماع بل التدبر لأنه بلا جدوى . هنا لا نتحدث أساسا أن فى المترو مواطنين آخرين ليسوا مسلمين ولا يجب أن نفرض عليهم ديننا.
على الطرف الآخر هناك من يسمعك أغانى (معلش مشوها أغانى) مصنوعة فى غفلة من الزمن بها كل الكلمات والتركيبات والغزل الصريح وغير العفيف حتى "الردح" مسموح به . عبده موتة ليس مجرد فيلم لكن تلك الشريحة موجودة شئت أم أبيت والأغانى المتداولة فى الفيلم غيض من فيض مما أسمعه فى المترو أو الميكروباص يجعلنى أتمنى أن يديروا أغانى لعمرو دياب – رغم عدم حبى له أو قناعتى به – رحمة بأذنى .
فى المترو بعد أن كان الصغار يقفون ليجلسوا الكبار الآن تقف الأم لتجلس ابنها أو تحمل له حقيبته المدرسية لا تتعجب إن اشتكين بعد ذلك من عقوق وجحود الأبناء فالتربية معكوسة.
الخلاصة لدينا أزمة فى تذوق الجمال والإحساس به. ليس لدينا حدائق وإن وجدت فهى العشب والشجر فقط بلا زهور أو ورود وغالبا مغلقة حتى لا يشوهها زائروها (نفسى أعرف الجنينة المليانة ورد اللى غنت فيها سعاد حسنى الدنيا ربيع مكانها فين) . لدينا أزمة فى التذوق الفنى بكل صوره . المعارض الفنية واللوحات لا يرتادها إلا المتخصصون . رواد الفاعليات الثقافية والغنائية قلة اكتفت بالمشاركة والإعجاب لكنها ليست موجة تزيح الغث والرث من طريقنا . الإعلام فى ثبات عميق لا يوجد سوى برنامجين أو ثلاثة حريصون على استضافة المطربين بحق والفرق المتميزة داخل برامجهم فى مواجهة طوفان قنوات فيديو كليب وأفلام ما أنزل الله بها من سلطان .
الآثار والحضارة فى العالم القديم تمركزت فى الصين والهند والعديد من البلدان العربية ومصر على قمتها بجانبت إيطاليا واليونان لكن الغرب المفتقر للتاريخ العريق استعاض بالمعمار القديم وبيوت المفكرين والموسيقيين والتشكيلين وحافظ عليها وجعلها مزارات تدرج على الكتيبات السياحية لتعويض هذا الفقر بل والحفاظ على المعمار القديم أيا كان ساكنوه . أما نحن فبارعون فى تشويه ما تعب فيه السابقون بل وهدمه ولا قانون يحمى أو قانون يردع لإيقاف تلك الجريمة . مصر مليئة بمكعبات وليس بمعمار . شاهدت صورا كثيرة تملأ المواقع الألكترونية قادمة من قبرص واليونان لديهم ضيق فى الشوارع كما لدينا لكنهم يعرفون كيف يجملون تلك الأماكن بلون أبيض زاهى متلائم مع لون البحر أما نحن فالأصفر والبنفسجى والمشمشى ولا عزاء للتناسق. مصر مليئة بملصقات على كل الحوائط مليئة بروائح كريهة وقمامة فى كل ركن وزاوية وكوبرى. حجم التشوه كبير والقضاء عليه فى المكان وفى العقول وفى النفوس ملف مهمل للأسف من قبل الجميع . نحتاج أن نعيد قيمة تذوق الجمال وحب الألوان والتناسق والتناغم مع الجميع فهل نستطيع؟؟؟؟؟

ليست هناك تعليقات: