14‏/10‏/2011

السينما النظيفة المصطلح والواقع :

" السينما النظيفة " هذا المصطح الذى ملأ الساحة وأثار الكثير من الجدل ولا زال منذ فيلم "صعيدى فى الجامعة الأمريكية" وكان يقصد به تقديم سينما دون مشاهد ساخنة أيا كان نوعها حفاظا على ثقافة المجتمع الذى يزداد تحفظا يوما بعد يوم وكان هذا الفيلم هو بداية هذا الخط وسار على دربه العديد من الفنانين فيما بعد رغم معارضة النقاد بلا استثناء للمصطلح نفسه.
ولكن هل قدم أصحاب هذا المبدأ سينما بحق ؟ وهل قدم المخالفين له سينما بحق أيضا ؟
الإجابة ليست صعبة إذا تعرضنا لسينما الفريقين وإن كان الفريق الثانى المعارض لم يشغل نفسه كثيرا بالمصطلح سينمائيا واستمر فى نهجه فى حين أنه لم يكف عن محاربة هذا المصطلح اعلاميا بلا توقف أو هوادة كلما واتته الفرصة لذلك.
الفريق الأول بقيادة محمد هنيدى رسخ فى السينما النظيفة مبدأ عدم تصوير أية مشاهد مخلة من قبلات وأحضان وحجرات نوم ولكنه فى المقابل لم يمانع فى الإستعاضة عن ذلك بإيحاءات جنسية كلما لزم الأمر أو ارتداء الرجال لملابس نسائية بشكل مقزز كما فى فيلم "يا انا يا خالتى" أو هز أرداف بطريقة مسفة كما فى أفلام سعد الصغير ومحمد سعد ببراعة منقطعة النظير.
كان محمد هنيدى هو المفجر ولكنه من جانب آخر لم يقدم شرائط سينمائية تستحق الوقوف أمامها إنما مجرد ساعات من التسلية المشروعة (وش إجرام – عندليب الدقى- رمضان مبروك) لكن بلا طحن إعتمد فيها على قدراته وإفيهاته فى استدراج الضحكات من الجمهور هذا إذا استثنينا أهم واقوى أفلامه "جاءنا البيان التالى" . ربما كان فى ذهنه عبقرى مصرى وهو إسماعيل يس وهو ما ظهر فى رغبته لتكرار شخصية رمضان مبروك أبوالعلمين فى أكثر من عمل تماشيا مع سلسلة "إسماعيل يس فى......"  ولكن الفارق مهولا.
وحتى نكون منصفين لابد أن نذكر أن هناك فريق صاحب فكر قرر أن يكون حلقة وسط بين الجانبين يضم أحمد حلمى (رغم البدايات الضعيفة) وأحمد مكى رغم قلة افلامه حتى الآن لأنها لم تتعد الثلاثة لكنه ترك بصمة مختلفة وكريم عبد العزيز و أحمد عز وهو رغم البداية التى تنصل منها لاحقا فى فيلم "مذكرات مراهقة" و الذى قال فيما بعد أنه لو عاد به الزمن لما أقدم على تصوير هذا الفيلم إلا بمعايير أخرى حتى يجتذب الأسرة كلها لمشاهدته دون خجل (هذا الفيلم تحديدا يحتاج وقفة أخرى لمناقشته ليس هذا مجاله الآن ).
هذا الفريق أبى عن نفسه تقديم أفلام هدفها الإضحاك فقط – وإن صح التعبير الإسفاف فقط - ولكن بحث عن الموضوع والفكرة والهدف أو كما يقول مجتمع السينمائيين "الورق"  أيا كان إطاره الفنى لتقديم سينما راقية تجمع كل أفراد الأسرة .
نجح هذا الفريق إلى درجة كبير فى تقديم أفلام لها قيمة مثل "كده رضا" أول أفلام النضج الحقيقى لأحمد  حلمى بعد محاولات ناجحة فى "ظرف طارق" و "مطب صناعى"  وبعده كان  "آسف على الإزعاج" وصولا إلى "عسل إسود" والذى ناقش فيه إهانة المصرى فى بلده فى مقابل إحترام يصل إلى درجة القداسة لكل من يحمل جواز سفر أمريكيا بذكاء وحبكة قوية مع كوميديا موقف وهى أقوى وأصعب أنواع الكوميديا ببراعة فائقة.
ربما حدثت له نكسة هنا أو هناك كما فى فيلم " بلبل حيران " لكن العيب كان فى "الورق" وليس مفهوم السينما النظيفة.
نأتى لأحمد عز ومع الندم على تقديم فيلمه الأول "مذكرات مراهقة" كما ذكرنا من قبل لكنه صالح باقى أفراد الأسرة فى "ملاكى اسكندرية" و"الرهينة" وتكتمل السلسلة بـ "بدل فاقد" و "الشبح" مرورا بـ "مسجون ترانزيت" رغم ضعف السيناريو فى نقاط كثيرة شابت الفيلمين الآخيرين وأخيرا كوميديا راقية فى "360 يوم سعادة" الذى ظلم فى شباك التذاكر صدفة بقيام ثورة 25 يناير لكن نعود ونؤكد أن الضعف  كان بسبب الحبكة وليس فى مصطلح السينما النظيفة.
ثالثهما كريم عبد العزيز فى لون وشكل مختلف تشعر معه أنه " الواد الشهم الجدع" الذى يتحمل المسئولية مع مسحة من خفة دم ابن البلد فى "ابوعلى" و "واحد من الناس" و أصابه ما أصاب سابقيه من ضعف الورق والسيناريو فى فيلم "خارج على القانون" وأيضا "أولاد العم". والأخير رغم النجاح المادى لكن النقاد كان لهم رأى آخر فى عدم منطقية الأحداث وتسلسلها وكذلك بعد الجمل الحوارية التى شابها الخطابة وليس الإقناع.
لكن فى المجمل الثلاثة راهنوا على كسب جميع أفراد الأسرة كجمهور يذهب إلى السينما ويدفع ثمن التذكرة بثقة أنهم سيشاهدون سينما هادفة جميلة بلا خوف من لقطة أو كلمة مسفة تجرح عيونهم أو مشاعرهم.
لا يجب أن نغفل أحمد السقا فله افلام قوية بلا شك كـ "الجزيرة" وقبلها "مافيا" و"تيمور وشفيقة" وكذلك فيلم "ابن القنصل"  الفيلم الكوميدى الأول له . السقا بلا جدال له جمهور كبير يسانده لكن عدم رفضه للقبلات فى أفلامه تجعلنا نخرجه من القائمة السابقة لكن لا نضعه كذلك فى قائمة السينمائيين الذين لا يرفضون أي مشهد طالما هو جزء من السيناريو لأن السقا لم تتجواز جرأة المشاهد فى أفلامه أداء القبلات وفقط.
لم يغب العنصر النسائى عن الصورة متمثلا فى ياسمين عبد العزيز (ونقصد كبطلة هى محور الأحداث وليست مجرد شريكة للبطل) ولكن أفلامها تصنف ضمن الأفلام الخفيفة كثير من الضحك قليل من الفكر وأكبر مثال فيلم "الثلاثة يشتغلونها" لو تم استغلال الفكرة جيدا مثل مناقشة مساوئ التعليم المصرى القائم على التلقين والحفظ وليس التفكير والابتكار وكذلك مساوئ بعض التيارات السياسية المحسوبة على المشهد المصرى لكان للفيلم شأن آخر.
بلا شك أن سينما هذا الثلاثى لا تقدم ما يمكن أن نطلق عليه سينما المهرجانات التى تستطيع أن تسافر للخارج لتمثل مصر عالميا وتستطيع أن تثير جدل أو تصل حتى إلى الترشيحات النهائية ربما لأنهم لا يشغلون أنفسهم كثيرا بهذا قدر انشغالهم بكسب الجمهور المصرى والعربى – الخليجى تحديدا - فى شباك التذاكر .

هنا نأتى للجانب الآخر أو المعارض للمصطلح سواء لفظا (هو فيه حاجة اسمها نظيفة وغير نظيفة السينما سينما) أو شكلا سينمائيا لأنه حسب رؤيتهم السيناريو والقصة هى الأساس وطالما تضمنت مشاهد جريئة ايا كانت فلا مانع من تنفيذها خدمة للقصة وللقضية التى يطرحها العمل .
دعونا نقول إحقاقا للحق  أن اللغة السينمائية الخاصة بهم مختلفة من ناحية الشكل والكادر والديكور وتسلسل المقاطع وبراعة المونتاج فى القطع القوى بين المشاهد حتى الأداء التمثيلى عالى بلا جدال فالموضوع هو البطل والمخرج له بصمته ورؤيته فى تحريك الممثلين وإخراج افضل ما فيهم وتقديم شكل وأداء مختلف عما تعودا عليه فإذا  كان الفريق الأول اعتمد ويعتمد بالأساس على إسم بطل العمل فى التسويق لكن الفريق التانى إسم المخرج هو اللاعب الرئيسى مثل داود عبد السيد وخالد يوسف ويسرى نصر الله.
كانت القصة عميقة بلا شك مع سيناريو متماسك إلى حد كبير لكن لا تخلو من ملمح أو معنى جنسى أدت إلى تصوير مشاهد ولقطات وجمل دارت على ألسنة الممثلين تسببت فى هجوم طال أبطال العمل والقائمين عليه مما أعطى انطباعا أن كل مشاكل المجتمع المصرى تبدأ من الجنس وتنتهى إليه والأمثلة عديدة :
فيلم "إحكى ياشهرزاد" تناول مشاكل المرأة فى المجتمع المصرى من خلال ثلاث قصص احتلت المشاهد والإيحاءات فيها قدرا لا بأس به من أول المرأة المتصابية إلى الفتاة التى تزوجت عرفيا رجلا ذا منصب سياسى هام إلى ثلاث فتيات تناوب عليهن عامل المحل الذى يعمل لديهن خادعا كل واحدة على حدة بقصة حب وهمية مع وعد بالزواج.
وفى "حين ميسرة" الذى أراد مخرجه التعبير عن الطبقة المهمشة والعشوائية فى مصر قدرا لا بأس به من المشاهد والإيحاءات ، ربما كانت المشاهد لا تختلف عما شوهد فى العديد من الأفلام المصرية القديمة لكن فى هذا الفيلم كانت مقززة لدرجة كبيرة ومنفرة ولم يحظ بأكثر من تساؤل دار على لسان المشاهدين : هو بجد فيه ناس عايشة كده ؟  وفقط.
الهاجس الجنسى بكل أشكاله والوانه لم يخل فيلم من أفلام صفوة المخرجين منه وكأن المجتمع المصرى برجاله ونسائه وفتياته حتى المحجبات لا يشغلهم سوى إشباع تلك الرغبة بشكل أو بأخر مع مبررات يرفضها ذووا الأخلاق قبل الدين فلا وازع دينى يردع لكن يوجد كبت جنسى يحتاج إلى أن يشبع.
ليس معنى ذلك أنه لم يكن هناك أفلام على مستوى عال وراق لغة وآداءا دون مشاهد صادمة ، لكنها محاولات قليلة لا تمثل تيارا يقابل التيار الآخر إن استثنينا مشهد هنا أو مشهد هناك ربما لو تم حذفه لم يكن ليخل بالمعنى بل لن يشعر المشاهد أن هناك شئ كان يجب أن يقال أو يقدم نسيه المخرج مثل "ملك وكتابة" ، "قص ولزق" و "فى العشق والهوى" وهذا الأخير تحديدا استوقفنى فيه غادة عبد الرازق فى مفارقة غريبة بلا شك فى دور فتاة ليل أدته ببراعة دون زى خارج أو مشهد مخل بل بجملة واحدة تتكرر على لسانها وتصل إلى المشاهد باستنتاج ما سيحدث وهى "أؤمرنى ياباشا".

هنا نأتى للسؤال هل موضوع هام وقوى مع ممثلين على نفس الدرجة ولغة سينمائية عالية وجذابة لكن من غير "مناظر" يعد أمرا مستحيلا ؟
الإجابة قطعا لا بل العكس يمكن الجمع بين الإثنين إذا تخلى الطرف الثانى عن ادعاءات الضرورة الدرامية والنص هو الأساس ومحاكاة الواقع إلى آخره من الحجج التى ثبت بطلانها بمشهد إيرانى واحد فى مسلسل "يوسف الصديق" وهو مشهد المراودة واغواء زليخة ليوسف فرغم احتمال المشهد والقصة نفسها للكثير إلا أن السينيمائيين الإيرانيين تخطوا كل هذا وتم تنفيذ المشهد فى قالب فنى مذهل ومعبر ودون إثارة حفيظة أحد وبكل براعة.

أما قضية وصول الفيلم المصرى للمهرجانات ثم إثارة الإنتباه فيها فهى قضية أخرى تحتاج أكثر من وقفة ربما يأتى وقتها لاحقا.

ليست هناك تعليقات: