13‏/10‏/2011

حقيقة الإعلام وإعلام الحقيقة ....... وحقيقتنا

أغلب الشعب المصرى ممن يجيد القراءة هو للأسف لا يقرأ وأعنى القراءة بمعناها الواسع وأقصد بها الثقافة العامة ، وإذا قرأ فهو يميل إلى الجرائد وصفحات الرياضة تحديدا وقراءة العناوين بشكل عام. يستقى أغلب الشعب معلوماته بالتواتر والنقل من بعضهم البعض أو بالجلوس أمام شاشات التليفزيون.
والأغلب الأعم يميل إلى تصديق ما يريد تصديقه حتى لا يجهد نفسه فى البحث عن الحقيقة التى قد تكون صادمة لما يعتقده وعلى عكس قناعاته مما قد يتطلب منه واجبات أو سلوكيات معينة وهو لا يريد ذلك بل يريد الركون إلى ما تعود عليه إيثارا للسلامة وإراحة للضمير .
الإعلام المصرى يلعب على هذه الحقيقة منذ زمن المخلوع فهو يلعب على العاطفة وعلى ضعف الوعى والثقافة مما يسهل مهمته فى اللعب فى دماغ هذا الشعب ، وما زال هذا النهج قائم بعد الثورة والسبب ببساطة هو أن وجوه الفترة الماضية من زمن المخلوع هم من يطلون بوجوههم الكئيبة على الشاشات اليوم فهم لم يملكوا مهارة إعلامية أو مهنية يوما يمكن أن تبرر استمرار تواجدهم أو تؤهلهم لفهم المرحلة القادمة.
أيام المخلوع كانت برامج التوك شو على جميع القنوات شكلا واحدا : مشكلة ما تطرأ على الساحة فتنبرى جميع البرامج للاهتمام بها ، وفى محاولة لإضفاء صفة الحيادية يتم استضافة أحد المسئولين أو ما يمثله مع صحفى من جريدة مستقلة أو حزب معارض لمناقشة هذه المشكلة. المضحك المبكى أن المسئول ليس لديه استعداد لشجاعة الاعتراف بالخطأ فقد جاء إما ليبرر أو ينكر أو يقلل من ضخامة الموضوع والضيف الآخر ليس لديه استعداد للاعتراف بأية إيجابيات (على اعتبار ان نظام المخلوع كان به شيئا إيجابيا) وتشتعل الأجواء وتتدفق الإعلانات - وهو المطلوب - دون أن تحسم القضية أو حتى تحل لتتوارى وتحل محلها قضية أخرى ويظل المشاهد رهن قناعاته ويبقى الحال على ماهو عليه وعلى المتضرر غلق التليفزيون احتراما لعقله ووعيه. وما زال العرض مستمرا بعد ذهاب المخلوع مع الفارق أن التليفزيون الرسمى والكثير من القنوات الخاصة التى انتشر فيها الفلول الإعلامية من النظام البائد قد استبدلت إسم المخلوع بالمجلس العسكرى وتبرير أى قرار ودفاع يثير الرثاء والخوف والقلق على الشعب المصرى المسكين القابع بين مطرقة الإعلام المصرى المشوه وسندان قلة الثقافة والوعى.
وفى الأحداث الأخيرة تسبب الإعلام المصرى الرسمى فى إثارة جموع المسلمين فى جريمة تحريضية مكتملة الأركان بطلب من الشعب المصرى حماية الجيش من المهاجمين الأقباط !!!!
وتحول الصراع من مظاهرة سلمية حاصلة على موافقة من الجهات الأمنية المختصة ومعروف تاريخها وخط سيرها وبمشاركة من العديد من المسلمين (كمثال محمد سليم العوا ، نوارة نجم) وغيرهم تضامنا مع حقوق الأقباط والمفترض أن تكون فى حماية الداخلية تحولت إلى صراع طائفى بشع بين المسلمين والمسيحيين رغم كونها فى الأثاث صراع بين المتظاهرين من جهة والشرطة العسكرية وعناصر من الجيش من جهة أخرى لتشتعل الفضائيات بما لذ وطاب من التسليم الكامل للجيش بأى قرار وأى تصور ويصبح الضحايا جناة ليدخل على الخط مدعى الإسلام والتدين ليزيدوا الموقف سوادا وبؤسا مما يثير الغثيان من جموع المسلمين العقلاء العارفين ببعد كل هذه المظاهر عن الإسلام السمح الذى أهانه أتباعه قولا وفعلا مما أدى إلى أن يهان من أعدائه.
ويأتى التبرير الغريب الذى لا يصدر من طفل يدرك معنى وتأثير كل كلمة يقولها من وزير الإعلام (لا أدرى لماذا توجد هذه الوزارة أصلا) بأن المذيعين كانوا منفعلين ؟؟؟  !!!!!!!!!! 
وهنا إذا كان من يفترض بهم أنهم مسئولون عن النهوض بالناس والإرتقاء بمستوى تفكيرهم بهذا الغباء الإعلامى فلا يلام إذاٌ عموم الشعب على التهور اللفظى أو الجسمانى تجاه شركاء الوطن .

هذه هى حقيقة الإعلام فى بلدنا العزيز للأسف الشديد أما إعلام الحقيقة فقلة قليلة للأسف تلتزم المهنية وتدرك معنى الكلمة التى تتفوه بها وتدرك معنى الوطن والمواطنة وأن أى حريق فى أى مكان تحت أى مسمى أو سبب سندفع ثمنه جميعا بلا استثناء وأعنى بهما قناتى التحرير وأون تى فى وأحيي المهنية الشديدة التى تناولوا بها الحدث من حيث التغطية المباشرة أو الضيوف أو نوع الأسئلة أو التحليلات التى قدموها ووضعوا أيديهم على الجرح بلا مواربة والتى كشفوا بها حقيقتنا التى نحاول بكل ما أوتينا من قوة تجاهلها وانكارها متعمدين وهى أن معظم جموع المسلمين فى هذا البلد يتعامل مع الآخر المختلف معه عقائديا من منطلق الافضلية الدينية عند الله وأن الجنة له لا محالة والآخر فى النار ونتعامل بتعالى بغيض برئ منه الله ورسوله بنص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التى وإن أعطت ميزة إيمانية للمسلم فهى غير ملزمة للآخر أيا كان معتقده لأنه من الأساس لا يؤمن بالإسلام أو رسوله كذلك لم تعطه رخصة الظلم أو التمييز البغيض وإلا ما كان بالله سبحانه وتعالى أن يبرئ - بقرآنا يتلى إلى قيام الساعة - اليهودى الذى اتهمه بعض المسلمين ظلما بالسرقة لأنه يهودى وما كان للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وعلى صحابته أجمعين أن يقف لجنازة يهودى قائلا لصحابته فى عبارة موجزة : أوليست نفس ؟؟
وهذا جزء من وصية على كرم الله وجهه لمالك الأشتر واليه على مصر " و اشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فانهم صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ."
وقصة عمر بن الخطاب مع كنيسة القيامة عند فتح بيت المقدس وعدم صلاته فيها رغم طلب الرهبان ذلك احتراما لهم وخوفا من أن يأتى يوم يعتدى فيه المسلمين على الكنيسة ويقولون هنا صلى عمر وكأنه كان يقرأ الغيب .
جراء ذلك قفزت إلى ذهنى تساؤلات عديدة من أين يأتى هؤلاء بمثل هذه السلوكيات والألفاظ البعيد عن القرآن والسيرة العطرة وكيف يسمح الأزهر بهذا ؟ وكيف تترك القنوات الفضائية الدينية لتبث سمومها وفكرها الوهابى فى أدمغة شعب استسهل الحصول على المعلومة تليفزيونيا ويقبلها كما هى بلا إعمال للعقل فيها وتنقيتها مخالفا أمرا إلهيا واضحا فى خواتيم آيات عديدة : أفلا يتدبرون ، أفلا يتفكرون ، أفلا يعقلون
وهنا نذكر إهمال متعمد ومنظم إعلاميا للمستنيرين من رجال الدين ورجال الأزهر الوسطيين العالمين المتوازنين لصالح مثيرى الفتن والقلق وأصحاب التصاريح المتهورة.
لكن إذا كنا ندين أنفسنا كمسلمين فلا أقل من أن نذكر شريكنا الآخر والمتمثل من غض البابا الطرف فى أحيان كثيرة للتصاريح المتهورة الصادرة من بعض رجال الدين المسيحى مثل أن المسلمين ضيوف على مصر والمسيحيين هم السكان الأصليين ، أو أن الفتح الإسلامى كان غزوا واحتلالا.
هذا بجانب ابتعاد الكثير من المسيحيين عن الإندماج مع المجموع كمصريين ، هذا الكثير حريص على التجمع معا وبعيدا فى الجامعات مثلا تجدهم فى بنشات مستقلة. قلة هى التى تتحدث بجنسيتها وليست بعقيدتها وهذا خطأ وخطر فى آن واحد.
عودة أخرى لتشريح نفوسنا فيجب معاقبة مثيرى الفتن من مشايخ التطرف مثل المدعو شومان كما لابد من معاقبة المتطرف الآخر وهو الأنبا فلوباتير ونجيب جبرائيل.
الإعلام قادر ويستطيع أن يأخذ الوطن للأمام ويساهم فى الارتقاء بوعى الناس فقط تتبقى الرغبة لذلك.
فهل يفعلها ؟

ليست هناك تعليقات: