04‏/09‏/2012

لم يعد سكنا أو مكانا للرحمة :

مضى العيد ودائما تكثر فيه حفلات الخطوبة والزفاف . لكن كثيرا ما يراودنى سؤال لا أدرى له إجابة هل يدرك العروسان معنى هذا الرباط المقدس أم الفكرة فرحة بالزفة والرقص والخروج من خانة العزوبية إلى خانة المتزوجين ؟ هل يدرك أيا منهما معنى "السكن والرحمة" ؟
لا أقصد تعميما ولكنى أشرح حالة غالبة فى ظل تصاعد معدلات العنوسة ومعدلات الطلاق والخلع كذلك.
فى المترو فى الشارع فى أماكن عدة اتفحص وجوه الشباب والشابات وأتسائل هل تلك الفتاة تصلح أن تكون مشروعا لأم مصرية تنجب رجالا ؟؟  ما الفكرة التى ستغرسها فى عقل أولادها ؟ هل تدرك مهمتها الحقيقية أم أن أحدث خطوط الموضة وحكاوى الفنانات هى المسيطرة ؟ هل تدرك جيدا كيف تكون الأسرة ودورها فيها وكيف تدار الحياة أم أن المسألة "كوشة وزفة " وفقط ؟ هل يشغلها الرجل وعقله ووعيه وفهمه للحياة والعالم والقدرة على إدارة شئون الحياة أم يشغلها مستوى الشقة ومستوى التشطيبات فيها ؟؟
هل هذا الشاب المهتم بالجيل فى شعره أكثر من تنمية عقله قادر على القيام بدوره "كرجل" وليس "كذكر"  من تحمل مسئوليته كاملة فى قيادة بيته وأسرته وضرب المثل لأبنائه أم المسألة رغبة جنسية بحتة فى الحلال ؟ هل هذا الفتى ذو البنطلون الساقط يدرك معنى المسئولية ويعى كيف يربى وينشأ ابنائه ؟ هل يفكر فى عقلية من يود الزواج منها وفهمها لدورها كزوجة وكأم وهل هى السند فى السراء والضراء أم يشغله جمالها وتناسق جسدها ؟؟
هذا الشاب وتلك الفتاة هما نتاج أب وأم من نفس نوعيتهما بلا جدال والنتيجة هى تلك الوجوه العابسة والحزينة بعد شهور قلائل من الزواج وإن استمر دون طلاق فهى "عيشة والسلام"  "وعشان خاطر العيال" أو لأنه ليس للزوجة بعد طلاقها مكان فى بيت أبيها يقابله رضا من الزوج بنصيبه عملا بمبدأ هذا هو الزواج والكل على هذه الشاكلة "وأهى غلطة ومش هاتعود".
لقد أوضع لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أسس اختيار الزوج والزوجة حتى يكون بناء البيت على أساس سليم ومتين : إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ، إن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير وعند اختيار الزوجة قال تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك .
الطريق واضح والمواصفات جلية كالشمس لكن للأسف معايير الإختيار للزوج هى القدرة المادية فى أغلب الأحيان دون الاهتمام بخلق الرجل أو للتخلص من شبح العنوسة فيتم التغاضى عن سوء الطباع  أو تختار العروس لأى سبب دون النظر إلى عقليتها وتربيتها ودينها المهم أن تكون جميلة ممشوقة القوام .
لا يختلف الوضع كثيرا إذا كان الزواج عن طريق الحب أو عن طريق الصالونات بل ربما كان الزواج عن طريق الصالونات أكثر نجاحا لأن العقل فيه هو اللاعب الأساسى . ينجح الزواج عن طريق الحب إذا كان حبا حقيقيا بنى على الصراحة والوضوح من البداية وانشغل الطرفان فى فهم بعضهم البعض ووضع أسس التعامل فيما بينهما وليس لتبادل عبارات الحب والغرام.
نظرة سريعة على صفحات طلبات الزواج والمواصفات التى يطلبها كلا الطرفين لتتجلى المأساة فى أقوى صورها لأن مواصفات الطرفين تركز على المواصفات الشكلية دون غيرها.
فى العلاقات الزوجية حاليا الندية هى الغالبة وليس التكامل كل طرف يريد أن يفرض سيطرته على الطرف الآخر دون إدراك حقيقى لدور كل طرف طبقا للفطرة التى فطر الله الرجل والمرأة عليها.
لا شك أن المشاكل المادية وصعوبة الحياة فى ظل مستوى الأجور وارتفاع الأسعار المستمر سببا جوهريا فى هروب السكن والرحمة بين الطرفين. عملية الزواج أصبحت مكلفة بشكل كارثى للغاية فى بلدنا العزيز وأحد الأسباب الرئيسية لعزوف الكثير من الشباب عن الزواج. فى الغرب يكفى أن تنتقل هى أو ينتقل هو لمكان سكن الآخر  - بحقيبة ملابسه - المكون غالبا من حجرة نوم وصالة ومطبخ بسيط وحمام ، المطبخ يكفى فيه من الأدوات الكهربائية الثلاجة والبوتاجاز وبعض الأجهزة المساعدة كالميكروويف  والخلاط وتغسل الملابس فى مغسلة عمومية فى نفس البناية وهو ما لا يتوفر فى مصر للأسف. لا يعنينى هنا شكل العلاقات بين الرجل والمرأة بالخارج قدر ما يعنينى تطبيقهم لما يطالب به الإسلام فى تلك الجزئية.
لا يفكر المهووسون عقاريا فى المساعدة فى حل تلك الأزمة بتخصيص ولو ربع المساحة لبناء عمارات تحتوى شقق سكنية بسيطة على قدر استطاعة الشباب بجانب الشقق والفيلات لكنها فى نفس الوقت تحتاج تغيير ثقافة مجتمع كامل لديه فتيات فى سن الزواج على قبول الفكرة وعدم المبالغة فى الطلبات المهم هو خلق من تعيش معه وطباعه فغالبا أسرة العروس تغالى حتى لا ينظر العريس لابنتهم نظرة دونية وعلى أنها "بايرة" أو سهل التفريط فيها والعريس ينظر لهذه الطلبات على أنها استغلال مقيط من أسرة الفتاة لرغبته فيها .
انتشار تفاصيل وأسرار البيوت خارج جدرانها فأصبح من السهل هدم البيوت فالمحرضون واصحاب الأغراض جاهزون للإجهاز على البيت فكل فرد يسقط أسباب فشله ونقائصه عليهما.
حتى الشرط الذى وضعه الله سبحانه وتعالى فى حالة تصاعد الخلافات بين الطرفين فى اختيار الحكمين "إن يريدا إصلاحا" لم يعد متوفرا إلا نادرا للأسف كل حكم ينحاز إلى طرفه وليس إلى العدل مع تنازل من هنا وتنازل من هناك لتستقيم الأمور.
لا أقصد أن أعطى صورة تشاؤمية أو تعميما لوضع الأسرة فى مصر ولكنى أصف حالة منتشرة . البيوت مغلقة على من فيها وما فيها بالتأكيد وهناك لحظات سعادة ولحظات حزن لكن الوجوه التى أراها والوجوم الذى يغلفها لا ينبئ سوى باستقرار شكلى فقد ابتعدنا أميالا عن تعاليم ديننا فى كل شئ للأسف وأولها الأسرة نواة المجتمع.

ليست هناك تعليقات: